احتلال محلي وهزيمة ذاتية سيناء

ماذا يحدث في سيناء؟!

في الواقع نحن لا نعرف شيئاً ولا يصلنا أو يتسرب إلينا من هذا الجزء العزيز والخطير من الوطن إلا علامات ونُذر متفرقات تشي كلها بكارثة وطنية محققة يعلم الله وحده مداها وثقلها، ويجري الآن العمل ـ علي قدم وساق ـ لوضعها ضمن قائمة كوارث وجرائم مروعة ارتكبها، ومازال يرتكبها كل يوم، نظام حكم عاتٍ وقاسٍِ وفاسد حتي النخاع لدرجة أن الشياطين الزرق نفسها ربما تجزع من منظره وتتبرأ من المسئولية عن قعوده فوق قلوبنا كل تلك العقود والسنين الطويلة التي ظل خلالها يتعامل مع البلد بطريقة انتقامية ووحشية وكأنه آل علي نفس «سيادته» ألا يتركنا ويتركه يذهب لحال سبيله إلا وهو خرابة موحشة هائلة ليس فيها حجر واحد يوحد ربنا قائماً منتصباً فوق حجر آخر!!

يا الله.. هل كان أحد من جيلنا أو الأجيال التي سبقتنا يخطر بباله، أو يعبر بأفق خياله، أو يري حتي في أسوأ الكوابيس أن لحظة ستأتي علينا نتحسر فيها علي أيام الاحتلال الأجنبي بعدما كابدنا وشاهدنا من فواحش «الاحتلال المحلي» ما لم تجرؤ جيوش الغزاة علي الإتيان بها؟!

يعني مثلاً.. نسمع هذه الأيام عن حملة بوليسية هائلة وواسعة النطاق تقوم بها قوات وفيالق ضخمة من أجهزة الأمن والشرطة في بعض مناطق وسط سيناء تبررها الحكومة بأنها تستهدف «تنظيف المنطقة» واعتقال عدد من المطلوبين والخارجين عن القانون!!

طبعا ًمن قواعد وشروط اللعبة الإجرامية السائدة حالياً ألا تسأل حضرتك عن موقف الست «الشرطة» والأستاذ «القانون» بتاعهم من قطعان الحرامية والنشالين الكبار الذين فككوا وقطعوا أوصال البلد ونهبوا ثرواته وملياراته في كروشهم وقطَّعوا أراضيه وصحاريه ومنحوها لأنفسهم وأنجالهم وأولاد خالاتهم وعماتهم (وأحياناً جيرانهم) مجاناً بينما هم قاعدون متحصنون في مباني الوزارة وقصور الإمارة ومغارة «سياسات» النجل؟!

ومع ذلك يا سيدي.. حسناً، أنتم تبحثون الآن عن السيناويين الغلابة المطلوبين والخارجين عن القانون، فهل لأحد منكم أن يدلنا علي علاقة أي قانون في الدنيا بحملات الترويع والتنكيل والعقاب الجماعي الوحشي التي تعودتم علي ممارستها ضد جموع المواطنين الأبرياء سكان هذه المناطق؟!. تلك الممارسات التي لا تبدأ بتدمير الممتلكات وتعمد الإهانة وإهدار الكرامة، ولا تنتهي بالضرب والاعتداء علي الأسر والعائلات الآمنة دون تمييز، والهتك الفظ لقيم وأعراف وتقاليد اجتماعية معتبرة ومرعية بصرامة في بيئة هذا الجزء من الوطن، إلي درجة استباحة اختطاف وتعذيب بعض ذوي المطلوبين وأهاليهم بمن فيهم النساء والأطفال واتخاذهم رهائن ما يضاعف من حجم المأساة ويفاقمها ويرفعها لمستوي الكارثة.

إن هذا النوع من الممارسات المشينة وغير المسئولة التي تحاكي أبشع سلوكيات جيوش الاحتلال وتكاد تتطابق (بجهل وغباوة) مع الجرائم والارتكابات الإسرائيلية في فلسطين المحتلة، يتجاوز خطرها حدود القمع والتوحش «العاديين» السائدين في باقي أرجاء البلاد، فهي تصيب مباشرة قلب أمننا القومي وتهدد وحدة نسيجنا الوطني في منطقة حساسة تلامس حدودنا مع كيان عنصري معادٍ يتربص بنا في الخارج، فيما حكامنا في الداخل يجتهدون ويكافحون ويعملون المستحيل لننهزم ونضمحل ونتآكل ذاتياً.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أ- جمال فهمى
الدستور 1-7-2010