القوة القاهرة والحادث الفجائى واثرهما على المسئولية الجنائية .

 

من المبادئ الأساسية في القانون الجنائي أنه لا يمكن تحميل شخص تبعة واقعة مؤثمة جنائيا ما لم ترتبط هذه الواقعة بنشاط ذلك الشخص برابطة السببية المادية أو العضوية. ذلك لأن مساءلة الشخص عن واقعة مؤثمة جنائيا بغير توافر الإسناد المادي, أي بغير إسنادها ماديا إلى نشاطه الإرادي بحسبانه السبب المباشر في حدوثها, يعني المسئولية الجنائية إما عن فعل الغير وأما عما يقع بفعل القضاء والقدر, إن كان مصدر الواقعة هو القوة القاهرة أو الحادث الفجائي أو ما يجري مجراها ولا دخل لإرادة المتهم فيما حدث. وسوف نتناول فيما يلي امتناع المسئولية الجنائية بسبب القوة القاهرة والحادث الفجائي.
وقد عرفت القوة القاهرة بأنها :هي ذلك السبب الاجنبى أو القوة الخارجية الطبيعية التي يخضع لها الإنسان لا محالة , ولا يمكنه دفعها أو مقاومتها , وتسخره في ارتكاب فعل أو امتناع . وتتصف القوة القاهرة بأنها قوة غير أدمية , ولكنها قوة طبيعية اى من فعل الطبيعة كالعواصف و الزلازل .كما تتصف بأنها قوة كاسحة لكل نشاط مادي أو مقاومة عضوية للفرد الذي يغدو حينئذ مجرد أداة طبيعية سخرتها قوى الطبيعة .
أما الحادث الفجائي: يراد بالحادث المفاجئ عامل طارئ يتميز بالمفاجأة أكثر مما يتصف بالعنف يجعل جسم إنسان أداة لحدث إجرامي معين, دون أي اتصال إرادي بين هذه الحدث وبين ذلك الإنسان , ويستوي في ذلك العامل أن يكون ظاهرة طبيعية أم فعلا إنسانيا .
د/رمسيس بهنام, الجريمة والمجرم والجزاء, سـ1972ـة, رقم 116.
 
فالحادث الفجائي هو قوة مادية تؤثر بصفة مباشرة ومطلقه علي الجانب العضوي أو المادي للإنسان فلا يقوم الركن المادي للجريمة , وبالتالي لا يقوم أيضا الركن المعنوي , تتجرد الإرادة من أي صورة من صور الخطأ الجنائي .
 
د/يسر أنور علي,شرح قانون العقوبات, النظرية العامة,1992, رقم 248.
 ويشترط في القوة القاهرة والحادث الفجائي شرطان هما: عدم إمكان التوقيع وعدم إمكان الدفع. فإذا أمكن توقع الحادث حتى لو استحال دفعه لم يكن قوة قاهرة ولا حادثا فجائيا , وكذلك إذا أمكن دفعه حتى لو استحال توقعه. والمعيار هنا موضوعي لا ذاتي: فيجب أن يكون عدم إمكان التوقع ولا الدفع مطلقا لا نسبيا , لا بالنسبة للمتهم وحده, بل بالنسبة لأي شخص يكون في موقفة, أسوة بنفس الضابط المدني في تقدير استحالة التوقع والدفع بالنسبة للمدين بالتعويض .
 د/عبد الرزاق السنهوري, الوسيط في القانون المدني, ج3, رقم 587.
ومن آثار القوة القاهرة والحادث الفجائي أنه لا فرق من ناحية المسئولية الجنائية بين القوة القاهرة وبين الحادث الفجائي, فكلاهما يعدم هذه المسئولية ماديا. فهما ينفيان لدى المتهم السلوك المطابق لنموذج الجريمة كما هو موصوف في القانون, فلا يعتبر الحادث ناشئا عن سلوك المتهم وإنما من القوة القاهرة أو من الحادث الفجائي ومن ثم فلا وجه لان ينسب إلى الفاعل حينئذ أي فعل لم يكن في مقدوره تجنبه, فتدور رابطة السببية المادية كما يزول في الواقع السلوك الإرادي المعبر عن شخصية الفرد, أي ينعدم الركن المادي وتنتفي الجريمة.
وقد قضى بان :-
(من المقرر أن قضاء محكمة النقض قد جري على أن الشرعية الإجرائية سواء ما اتصل منهابحيدة المحقق أو بكفالة الحرية الشخصية والكرامة البشرية للمتهم ومراعاة حقوقالدفاع , أو ما اتصل بوجوب التزام الحكم بالإدانة بمبدأ مشروعية الدليل وعدممناهضته لأصل دستوري مقرر , وجميعها ثوابت قانونية أعلاها الدستور والقانون وحرصعلى حمايتها القضاء ليس فقط لمصلحة خاصة بالمتهم وإنما بحسبانها في المقام الأولتستهدف مصلحة عامة تتمثل في حماية قرينة البراءة وتوفير اطمئنان الناس إلى عدالةالقضاء فالغلبة الشرعية الإجرائية ولو أدي إعمالها لإفلات مجرم من العقاب وذلكلاعتبارات أسمي تغياها الدستور والقانون . .(
الطعن رقم 30342 لسنة 70 قجلسة 28/4/2004