مصر: حرب الملصقات والانحياز البوليسي
لم تكن المجموعة المؤيدة لجمال مبارك بالحزب الوطني تعرف من قبل أن مشروع التوريث الذي أعدته بالتنسيق مع الحكومة المصرية منذ سنوات عديدة سيلاقي كل هذا الرفض من قبل معارضيها , ولم يكن نجل الرئيس المصري يعلم أن المعارضة المصرية ستكون في مثل هذه القوة في مواجهة رغبتهم في تنصيبه رئيساً للجمهورية خلفاً لوالده الرئيس الحالي لجمهورية مصر العربية "محمد حسني مبارك" فبدءوا في اختبار المصريين ومدي تقبلهم لمشروع التوريث بالتلميح تارة وبالتصريحات الغير مباشرة تارة أخري فوجدوا أمامهم مبادرة الدكتور محمد البرادعي والتي طرح فيها هو ومجموعة من القوي السياسية المصرية 7 مطالب واضحة وعامة التف حولها العديد من النشطاء والمطالبين بالإصلاح و بعض قوي المعارضة المصرية , فقرر الأمن المصري أن يقمعها منذ البداية "وعلي حد وصفهم أن هذا ليس لصالح احد وإنما حفاظاً علي الأمن والسلم الاجتماعي"- وكأن مطالب الإصلاح الديمقراطي التي يستفيد منها الجميع خطراً علي الأمن والسلم الاجتماعي بينما الدعوات التي تزييف إرادة المصريين وتدعم التوريث هي الغاية الاسمي والمصلحة الأولي للبلاد – لا أريد أن أكون متحفزاً ضد الداخلية المصرية ولكني فقط أحاول أن افهم لماذا داهموا تجمعات المطالبين بالإصلاح والقوا القبض علي أعداد ليست بالقليلة منهم في مناسبات مختلفة وفي محافظات مختلفة كان منها اعتقال 8 مواطنين في مايو الماضي بدمنهور , ومثلهم في أسيوط بالإضافة إلي مجاملة الحكومة الكويتية لنظيرتها في مصر واعتقال حوالي 34 مواطن وترحيلهم إضافة إلي مضايقات امن الدولة المصرية الدائمة لنشطاء 6 أبريل والأخوان المسلمين والجمعية الوطنية للتغير بسبب تبنيهم مطالب الإصلاح الديمقراطي بينما رحبوا بتأييد نجل الرئيس فلم يتحرك ساكناً حين أطلق شخصاً من المنشقين في أحد الأحزاب المعارضة حملة أطلق عليها أسم "الحملة الشعبية لدعم جمال مبارك" بدائها بملئ شوارع مصر بملصقات تحمل صورة ابن الرئيس وتدعوه للمشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة , وفي المقابل كان عدد الموقعين علي مطالب الإصلاح الديمقراطي قد وصل نصف مليون موقع , وأطلق الدكتور أيمن نور مبادرته بعنوان"مصر كبيرة عليك" قاصداً نجل الرئيس لتشتعل حرب الملصقات وينكشف الانحياز البوليسي الواضح لمشروع التوريث , ففي الوقت الذي امتلأت الشوارع فيه بالبوسترات والملصقات المؤيدة لأمين السياسات بالحزب الوطني دون أن تشغل بال أحدا من رجال الداخلية , كانت حملات الاعتقالات قد وصلت للذروة في مدينة الإسكندرية حين القي أمن الدولة المصري القبض علي 6 مواطنين بعد أيام من اعتقال 15 أخريين من جماعة الأخوان المسلمين بسبب تبنيهم مطالب التغيير وبسبب مشاركتهم في تعليق ملصقات تدعوا المواطنين للتوقيع علي مطالب الإصلاح الديمقراطي والتي راءتها الحكومة المصرية مهددة للأمن والسلم الاجتماعي في صفعة قوية علي وجه الديمقراطية فبرغم نفي الحزب الوطني المستمر لأن تكون هناك أي نية لترشيح نجل الرئيس في الوقت الحالي ورغم نفيهم أيضا لأن يكون لهم أي صلة بمبادرة "الحملة الشعبية لدعم جمال مبارك" جاء تحيز الداخلية الواضح لنجل الرئيس واعتقال المطالبين بالإصلاح الديمقراطي في وقت الاحتفاء بملصقات دعم جمال مبارك ليؤكد نية الحكومة المصرية في تبني التوريث في الانتخابات الرئاسية القادمة بأي ثمن حتى لو كان اعتقال الأصوات المطالبة بالإصلاح وتزوير الانتخابات .
ووفقاً لما تناوله المدونين المصريين ووسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية مثل "مدونة حقنا, وموقع البوابة, والبي بي سي , ومدونة معاني إنسانية, ومدونة الطوفان 114 " والعديد من المدونات والمواقع الإلكترونية الأخرى في الفترة الأخيرة فأن حرب الملصقات هذه بدأت و اشتعلت بقوة حين قرر الدكتور أيمن نور ومجموعة من النشطاء الشباب إطلاق حملتهم والتي حملت عنوان "مصر كبيرة عليك" للرد علي حملة تأييد جمال مبارك أمين السياسات بالحزب الحاكم , قاموا علي آثرها بإعداد بوسترات تتضمن أسم الحملة وصورة لجمال مبارك مرسوماً علي وجهه علامة الحظر وبعض الشعارات ككلمة "stop" و "لا يا جمال مصر كبيرة عليك" للتعبير عن رفضهم لتوريث الحكم في مصـر وللرد علي الحملة التي وصفها "نور" بالمزيفة , وعلي الجانب الأخر كان المطالبين بالإصلاح قد اعدوا ملصقاتهم التي تدعو للتوقيع علي مطالب الإصلاح الديمقراطي السبعة والتي شملت المطالب ودعت المواطنين المصرين للتوقيع عليها فكان رد الأمن المصري مفزع وغير مبرر فلم يكتفوا بتقطيع ملصقات حملة "نور" و"والجمعية الوطنية للتغير" وإنما قاموا باعتقال 6 مواطنين من الداعيين للإصلاح الديمقراطي في فجر 8 أغسطس من العام الحالي بعد أيام من اعتقال 15 مواطن من المطالبين بالإصلاح في مطلع الشهر الجاري وهو ما وصفته الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في بيان لها صدر يوم 2 أغسطس الجاري بالانحياز البوليسي , وقالت الشبكة في بيانها أن المطبوعات التي أعتقل المواطنين بسببها تتضمن مطالب عادلة أجمع عليها كل المطالبين بالديمقراطية والإصلاح في مصـر , وفي تقرير لميدل أيست اونلاين قال أيمن نور احد المشاركين في سباق الانتخابات الرئاسية المقبلة "أن حملة دعم نجل الرئيس المصري تعكس صراعاً داخل الحزب الوطني بين مؤيدي ترشيح مبارك الأب والداعين لتوريث الحكم لمبارك الابن" وقال التقرير نفسه إن عبد الحليم قنديل منسق حركة "كفاية" أعلن مشاركته في حملة نور للتصدي لملصقات جمال مبارك وأضاف أنه لا بديل أمام المعارضة المصرية لمواجهة الحكومة المصرية إلا الدعوي لعصيان مدني لأنه السبيل الوحيد لإنهاء حكم مبارك والتصدي لمخطط توريث السلطة لنجله .
كل هذا كان الشاغل للعديد من المدونين في الآونة الأخيرة, فمخطط التوريث لم يجد له طريق غير الانتخابات الرئاسية القادمة في الوقت الذي صمت فيه الجيش عن الكلام حتى الآن وفي المقابل نجد المطالبين بالإصلاح في مواجهته بقوة رافضين أن ترهبهم أجهزة امن الدولة يأبوا أن ينال احد من عزيمتهم.