بين الشموع والشوزن

 

بين الشموع والشوزن

اختار عددٌ من مرضى السكلر وأهاليهم إشعال الشموع ونثر الورود أمام مدخل طوارئ مجمع السلمانية الطبي، حداداً على ضحايا مرض السكلر الأربعة الذين قضوا يوم الثلثاء الماضي.

الصورة المنشورة توضح أن الحضور كله من الشباب، وتتراوح أعمارهم ما بين العقدين الثاني والثالث، وقد طالبوا بتشكيل لجنة تحقيق محايدة من خارج وزارة الصحة للتحقيق في ملابسات الوفيات الأربع، مع الكشف عن نتائج لجان التحقيق في وفيات السكلر التي حدثت العامين الماضيين، ما يكشف ضعف الثقة في الإجراءات الترقيعية التي تتخذها الوزارة لتضييع الوقت وتمييع القضية.

المرضى أعلنوا أن وقفة إشعال الشموع ستستمر 22 يوماً، بعدد ضحايا السكلر الذين سقطوا منذ مطلع العام الجاري، ولا يزال لديهم أملٌ بأن تتدارك الوزارة الوضع وتتخذ وقفةً جادةً في التعاطي مع قضايا السكلر. وهم يفكرون في حال عدم التجاوب وإعلان نتائج التحقيق، بتحويل الحداد السلمي إلى اعتصام سلمي وإضراب عن الطعام، وهي خطوةٌ صعبةٌ على مرضى في مثل أوضاعهم، ولكن لسان حالهم يقول: وما حيلة المضطر إلا ركوبها.

ضحايا السكلر لديهم ملاحظاتٌ كثيرةٌ على الوزارة، من بينها عدم وجود خطة علاج متبعة ما يجعل التشخيص والعلاج يخضعان للاجتهادات الفردية. وإلى جانب نقص الأسرّة، الذي كان سبباً في بعض حالات الوفاة، هناك الشكوى من سوء معاملة بعض الأطباء، ووصفهم للمرضى بنعوت غير لائقة، من قبيل وصفهم بأنهم «شلة من المدمنين»! ويستشهدون بطبيب معروف في مركز النعيم الصحي، دعا أحدهم للسفر إلى أفغانستان لشراء (خيشة) هيروين بدل زيارة المركز الصحي لتلقي العلاج! وهي وقائع حريٌ بالوزارة أن تفتح فيها تحقيقاً ومحاسبة من يثبت خطأه وسوء أدائه الوظيفي.

موقف الوزارة يثير الكثير من علامات الاستفهام، ففي تعاطيها مع إشعال الشموع، خرج الوكيل المساعد لشئون المستشفيات بتصريحٍ اعتبر فيه ذلك «تجمهراً»، ما يوحي بالعقلية الأمنية التي يفكر بها بعض المسئولين. وهي عقليةٌ قد تنتهي باستدعاء قوات مكافحة الشغب للتعامل مع المرضى بالشوزن!

في بيانه أضاف مدير المستشفيات «إن هذا الأسلوب (إشعال الشموع) غير قانوني في مؤسسة حكومية مثل مجمع السلمانية»! وأشار إلى أن الوزارة «لا تؤيد هذا الأسلوب في التعامل مع الأمور وخصوصاً عند استخدام مرضى منوّمين بالسلمانية ويعانون من المرض وحالتهم الصحية غير مستقرة… وتحريضهم للخروج». ولكنه تناسى السبب الذي أنزل المرضى من الجناح إلى قسم الطوارئ والتجمع «في ظروف غير مناسبة وأجواء حارة وعالية الرطوبة». ونسي أيضاً أن الذي حرّضهم على النزول من أسرّتهم هو غريزة حب البقاء التي تحكم سلوك كل البشر، بعدما أخذوا يشاهدون زملاءهم وأصدقاءهم يموتون دون أن يهتز للوزارة جفنٌ أو حاجب.

مدير المستشفيات أشار إلى وجود طرق أخرى للتفاهم وإيصال الرسائل المطلوبة، غير إشعال الشموع ونثر الورود، مع أنهم لم يوفروا وسيلة لإيصال صوتهم، بما فيها الكتابة الدائمة في الصحف. وهو بحاجةٍ إلى أن نذكّره بوجود جمعيتين لمرضى السكلر، الأولى أنشئت قبل خمسة وعشرين عاماً تترأسها الاستشارية بالأمراض الوراثية شيخة العريض، والثانية أنشئت قبل بضعة أعوام، ورئيسها الفخري خليفة الظهراني (رئيس مجلس النواب). ولم تفلح جهود الجمعيتين كما يبدو في إقناع الوزارة بتوجيه اهتمام أكبر لعلاج هؤلاء المرضى، بدليل زيادة الشكاوى والمعاناة، وارتفاع معدل الضحايا في عهد الوزير الحالي وطاقمه الاداري من ضحيتين إلى ثلاثة ضحايا شهرياً!

 

قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 2894 – الإثنين 09 أغسطس 2010م الموافق 28 شعبان 1431هـ